Star
John Doe
Admin
My Profile
Settings
Billing
4
Log Out
Edit Book: الفصول الأربعة
Title
*
Author
Illustrator
Description
Thumbnail
Leave empty to keep current thumbnail
Audio File
Leave empty to keep current audio
Pages
Page 1
Remove
Text
كانَ يا ما كان، في قديمِ الزَّمانِ، وفي قريةٍ صغيرةٍ تحيطُ بها الحقولُ والجبالُ، عاشت فتاةٌ طيِّبةُ القلبِ تُدعى مارينكا. كانت يتيمةَ الوالدينِ، تسكنُ مع زوجةِ أبيها القاسيةِ وابنتَيْها المتجبِّرتَيْن. وكانت الفتاةُ المسكينةُ تعملُ طوالَ النهارِ في الحقولِ، أو تنظِّفُ البيتَ، أو تجلبُ الماءَ من النهرِ في بردِ الشتاءِ القارسِ، بينما كانت أختاها تلهوانِ وتجلسانِ قربَ الموقدِ
Image
Page 2
Remove
Text
وفي يومٍ من أيَّامِ الشِّتاءِ، حيثُ الثَّلجُ يُغطي الأرضَ كسجادةٍ بيضاءَ، والبردُ يقرصُ الوجوهَ، استدعت زوجةُ الأب مارينكا وقالت لها بصوتٍ جافٍّ: ـ "أحضري لنا باقةً من زهورِ البنفسجِ فورًا. سمعتُ أنَّها تنبتُ في الجبالِ حتَّى في الشتاءِ." تجمَّدت مارينكا من الدَّهشة، وقالت بصوتٍ خافت: ـ "لكن... البنفسجُ لا يزهرُ في هذا الفصلِ يا سيدتي." صرخت زوجةُ الأب بغضب: ـ "لا تجادِليني! إن لم تعودي بها قبلَ غروبِ الشَّمس، فلا مكانَ لكِ في هذا البيت."
Image
Page 3
Remove
Text
ارتدت مارينكا عباءتها الرَّقيقةَ، ولفَّت رأسَها بوشاحٍ مهترئٍ، وانطلقت نحوَ الجبالِ وسطَ العاصفةِ الثَّلجيةِ. كانت الرِّيحُ تعصفُ، والبردُ يتسلَّلُ إلى عظامِها، ودموعُها تتجمَّدُ على وجنتَيْها. مشت طويلًا حتَّى أوشكت أن تسقطَ من شدَّةِ التَّعبِ، وفجأةً، لمحت ضوءًا خافتًا بينَ الأشجارِ. اقتربت، فإذا بها تجدُ نارًا عظيمةً تتوسَّطُ ساحةً دائريةً، وحولَها أربعةُ رجالٍ غرباء، لكلٍّ منهم هيئةٌ مهيبةٌ وثيابٌ تليقُ بفصلٍ من فصولِ السَّنة.
Image
Page 4
Remove
Text
كان الأوَّلُ شيخًا أبيضَ اللحيةِ، يلبسُ عباءةً ناصعةَ البياضِ، وتتناثرُ حوله بلوراتُ الثلجِ، فعرفت أنَّه الشتاء. والثاني شابٌّ قويٌّ يعلو وجهَه دفءُ الشَّمسِ، وثيابُه خضراءُ كالحقولِ النَّاضرة، فعرفت أنَّه الصيف. والثالثُ كانَ ذا ملامحَ حنونةٍ، يرتدي عباءةً زهريةً، وعلى كتفَيْه تتدلَّى أغصانُ الأزهارِ، فعرفت أنَّه الربيع. أمَّا الرابعُ، فكان رجلاً ذا شعرٍ ذهبيٍّ كأوراقِ الخريفِ، يلبسُ ثيابًا بلونِ القمحِ الناضجِ، فعرفت أنَّه الخريف. وقفَت مارينكا متردِّدةً، فأشارَ إليها الرَّبيعُ بابتسامةٍ: ـ "اقتربي، أيتها الفتاة، ماذا جاءَ بكِ إلى هذه الغابةِ في مثلِ هذا الطَّقسِ القاسي؟" حكَت لهم قصَّتَها، وكيف أُجبرت على البحثِ عن البنفسجِ في قلبِ الشتاءِ. نظرَ الفصولُ الأربعةُ إلى بعضِهم، ثم قالَ الشتاءُ بصوتٍ عميق: ـ "هذا ليسَ وقتَ البنفسجِ، لكن لأجلِ طيبتِكِ وشجاعتِكِ، سأمنحُ الرَّبيعَ زمامَ الأمرِ لوقتٍ قصير."
Image
Page 5
Remove
Text
رفعَ الشتاءُ عصاه البلَّوريةَ، وأومأ للرَّبيعِ، فنهضَ الأخيرُ، ولوَّحَ بيده، فإذا بالثلجِ يذوبُ من حولهم، وتفوحُ رائحةُ الأزهارِ، وتتفتَّحُ ألوانُ البنفسجِ على جانبِ التَّل. ركضت مارينكا تجمعُ الأزهارَ وهي تبكي فرحًا، ثمَّ انحنت شاكرةً للفصولِ الأربعةِ. قالَ لها الخريفُ: ـ "حينَ تحتاجينَ العونَ، عودي إلينا، فالغابةُ تعرفُ طريقكِ." عادت مارينكا إلى البيتِ وهي تحملُ الباقةَ العطرةَ. لكنَّ زوجةَ الأب وابنتَيْها لم تُصدِّقْ ما رأت، واشتعلَ الحسدُ في قلوبِهنَّ. وبعدَ أيَّام، طلبت زوجةُ الأب من مارينكا أن تجلبَ لها تفاحًا أحمرَ يانعًا، مع أنَّه لم يكن فصلَ التفاحِ.
Image
Page 6
Remove
Text
عادت الفتاةُ إلى الجبالِ، إلى موقدِ الفصولِ الأربعةِ، وحكَت لهم ما حدث. ابتسمَ الخريفُ هذه المرَّة، وأخذَ زمامَ الأمرِ من الشِّتاءِ، فهبت نسائمُه الذهبيةُ، وتساقطت أوراقُ الأشجارِ، وامتلأت الأغصانُ بالتفاحِ الناضجِ. شكرَت مارينكا أصدقاءَها، وعادت بالثمارِ. لكنَّ الطَّمعَ أعمى قلوبَ زوجةِ الأب وابنتَيْها، فقرَّرنَ الذَّهابَ بأنفسِهنَّ إلى الجبالِ، ليطلبنَ الذهبَ والجواهرَ من الفصولِ. وحينَ وصلنَ، لم يأتينَ بتحيةٍ أو احترام، بل أمرنَ الفصولَ بوقاحةٍ أن يمنحوهنَّ ما أردن.
Image
Page 7
Remove
Text
عندها، عبسَ الشتاءُ، وضربَ عصاه على الأرضِ، فاهتزَّت الأرضُ تحت أقدامِهنَّ، وهبَّت عاصفةٌ ثلجيةٌ هائلةٌ. حاولنَ الصراخَ وطلبَ العون، لكنَّ الرياحَ غطَّت أصواتَهن، وتساقط الثَّلجُ بغزارةٍ حتّى طمسَ معالمَ الطريق. في تلك اللَّحظة، اقتربَ الربيعُ من الشتاءِ، وقالَ بصوتٍ هادئٍ: ـ "دعهنَّ يا أخي، فقد تعلَّمنَ الدرس." لكنَّ الشتاءَ أجابَ بصرامة: ـ "لقد أفسدنَ قلوبَهنَّ بالأنانيةِ، ومن أغلقَ قلبَه لا يعرفُ دفءَ المواسم." واختفت النسوةُ وسطَ العاصفةِ، ولم يعُد أحدٌ يراهنَ بعد ذلك.
Image
Page 8
Remove
Text
عادت مارينكا تعيشُ في بيتها وحيدةً، لكنَّها لم تشعر بالوحدة، فقد كانت الغابةُ صديقتها، والفصولُ الأربعةُ عائلتها الجديدة. وكلَّما تغيَّر الفصل، كانت تزورهم، فتجلسُ حول النارِ وتستمعُ لحكاياتِهم عن أسرارِ الطبيعةِ، وكيفَ لكلِّ فصلٍ جمالُه وعطاؤه. ومع مرور السنين، صارت مارينكا حكيمةَ القريةِ، تعلِّمُ الأطفالَ أنَّ الأرضَ تمنحُ خيرَها لمن يحترمُها، وأنَّ القلوبَ النقيَّةَ وحدَها تستحقُّ هدايا الفصول.
Image
Add Page
Update Book
Cancel